ثقافة في باراسول : هيفل بن يوسف يفتح باب الضحك... ويغلق باب الدراما
تشوّقنا كثيرا لمتابعة فيلم "باراسول" للمخرج هيفل بن يوسف قبل عرضه، خاصة بعد الومضة الإشهارية الذكية والمشوّقة التي سبقت عرضه. تحولنا الى العرض الأول للفيلم الذي احتضنته قاعة الكوليزي بالعاصمة والتي شهدت إقبالا جماهيريا كبيرا، لعل مبرره ببساطة هو "البحث عن الضحك" كوسيلة للهروب من إرهاصات الحياة اليومية ووطأة الدراما الثقيلة والقضايا الاجتماعية المعقّدة.
مظلة واهية فوق شرخ أسري
"باراسول"، وهو إنتاج مشترك بين شركتي "إيريس برود" و"مجمع القوبنطيني"، يروي في قالب كوميدي قصة عائلة تتفكك تحت ضغط الطلاق، إضافة إلى إشكالية الصراع بين الأجيال. المتمعّن في القصة العامة للفيلم يلاحظ أنه لا يهادن الواقع، بل يعيد صياغته برؤية فنية، حيث يعالج فكرة في غاية الأهمية من خلال طرح كوميدي: هل نحن اليوم نحاول الاحتماء من قسوة الواقع بمظلة (باراسول) من الحب، والأمل، أو حتى الوهم؟ وهل نحتاج إلى مراجعة ذاتية حول مفهوم الحب، وهل الحب يكمن في مجرد القول أم أن الفعل هو المعيار الحقيقي؟
اعتمد بن يوسف في "باراسول" على ثنائية السخرية والوجع، حيث لا تغيب المشاهد الكوميدية عن جلّ الأحداث. هي في الحقيقة كوميديا سوداء تبرز الشرخ الكبير في العلاقات الأسرية لحظة فقدان الحب والانسجام. فبينما يحاول الأب إيجاد حلول للإبقاء على تماسك عائلته بالاعتماد على أسلوبه المتزمّت" فكريا" دون محاولة لفهم الاحتياجات الحقيقية لأسرته، تتمسك الأم بالانفصال بعد أن استنفدت كل الحلول لتغيير زوجها. في الأثناء، يعيش الأبناء حالة من الضياع، وهنا يبرز دور الشخصيات الثانوية.
تم تصوير الفيلم بين سوسة وهرقلة، ولعل اختيار المخرج لهذا الفضاء الواقعي كان بهدف إضفاء جانب من المصداقية على الأحداث.
يجسّد أدوار البطولة في "باراسول" نخبة من الممثلين، منهم وجيهة الجندوبي، محمد صابر الوسلاتي، نسيم بورقيبة، رحمة بن عيسى، الصادق حلواس، مريم بن مامي، جهاد الشارني، وهيثم فرحاني. هذه الشخصيات لم تكن نماذج بطولية مثالية، بل مجموعة من الأفراد العاديين الذين يعيشون تناقضاتهم بصمت: نساء يحلمن بالاستقلال بأقل الأضرار، رجال يتأرجحون بين ثنائية الحب والنزوات، وشباب يبحثون عن أنفسهم في زمن متسارع فقد البوصلة.
كان أداء الممثلين في "باراسول" متفاوتا من شخصية إلى أخرى، وقد مازج بين الواقعية والبساطة. حيث قدّمت وجيهة الجندوبي شخصية كاريزماتية مزجت بين خفة الظل والصرامة. ولن نخفي سرا إن قلنا إن الجندوبي أنقذت الفيلم من السقوط في الرتابة والملل. أما محمد صابر الوسلاتي ونسيم بورقيبة وجهاد الشارني والصادق حلواس، فقد أضافوا على الفيلم جرعة من الطرافة بشكل متفاوت.
ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى التفاوت الملحوظ في مستوى الأداء التمثيلي، حيث لاحظنا ضعفا لدى بعض العناصر في طاقم العمل في بعض المواقف. هذا التفاوت أثّر سلبا على تجانس المشاهد وخلق فجوات، مما يُثير تساؤلا حول اختيارات المخرج في عملية "الكاستينغ".
من الناحية الفنية، جمع الفيلم بين الجماليات الوثائقية والسرد الروائي. حيث استخدم البحر كرمز للهدوء بعد العاصفة. كما مزجت الموسيقى التصويرية بين الإيقاعات التونسية التقليدية والإلكترونية الحديثة، وهو ما يعكس صراع الأجيال الذي يدور حوله العمل.
أما على مستوى البناء السردي لن ننكر أن الكوميديا كانت طاغية، بل نقول إن الباحث عن الضحك سيجد ضالته في "باراسول". لكن المقابل، لا يجب أن نغفل الجانب الدرامي، حيث عانى العمل من غياب ملحوظ للحبكة الدرامية وتسلسل الأحداث وترابطها، كما افتقر إلى "الخرافة" (الحكاية) المتماسكة، فالقصة "كما انطلقت كما انتهت"، دون تطوّر حقيقي أو تحوّلات مفصلية تبرر مسار الأحداث.
هذا الافتقار إلى التصعيد الدرامي المطلوب أدّى إلى الشعور بالرتابة في بعض الأجزاء، مما قلّل من قدرة الفيلم على خلق توتّر عاطفي أو تشويق يجذب الانتباه نحو ذروة القصة. وكأن هيفل بن يوسف فتح باب النقاش وصاغ القصة، لكنه عجز عن إيجاد حلّ أو خاتمة لها، فجاءت النهاية مستعجلة ومسقطة، ولم تتماش مع مسار الأحداث.
يظل "باراسول" أسيرا لبعض الضعف الذي يلازم الكوميديا، وهو ضعف السيناريو، الذي كتبه بن يوسف نفسه، حيث اعتمد على حوارات سريعة الإيقاع انزلقت أحيانا إلى خانة الكليشيهات، مما جعل العمل أقرب إلى السيتكوم منه إلى الفيلم السينمائي. صراع الأجيال، الآباء المحافظون مقابل الشباب الذين يبحثون عن هويتهم، الطلاق، ومشكلة الهوية وانعدام الحوار، كلها مواضيع مهمة تطرّق إليها "باراسول"، لكن دون تعمّق. وكأن هدف أصحاب العمل كان إنجاز فيلم كوميدي اجتماعي دون الغوص في الحيثيات أو تقديم معالجة درامية، وهو ما فسّرته ربما النهاية السعيدة المصطنعة.
أحيانا نحن لا نحتاج مظلات للاختباء من مشاكلنا بل نحتاج الى إزالة هذه المظلات لرؤية الحقيقة كما هي والواقع كما هو أو ربما تعيقنا المظلة أحيانا عن رؤية حقيقة الأمور و حقيقة الحب الذي اختفى وسط مشاغل الحياة لكنه لم يندثر ولم يمت.
سناء الماجري